قصة ابراهيم عليه السلام ج 1
صفحة 1 من اصل 1
قصة ابراهيم عليه السلام ج 1
عن صفوان ، عن ابن مسكان قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : إن آزر أبا إبراهيم كان منجما لنمرود بن كنعان فقال له : إني أرى في حساب النجوم أن هذا الزمان يحدث رجلا فينسخ هذا الدين ويدعو إلى دين أخر ، فقال له نمرود : في أي بلاد يكون ؟ قال : في هذه البلاد ، وكان منزل نمرود بكوثى ربى ،فقال له نمرود : قد خرج إلى الدنيا ؟ قال آزر : لا ، قال : فينبغي أن يفرق بين الرجال والنساء ، ففرق بين الرجال والنساء ، وحملت أم إبراهيم بإبراهيم عليه السلام ولم يبين حملها ، فلما حانت ولادتها قالت : يا آزر إني قد اعتللت وأريد أن أعتزل عنك ، وكان في ذلك الزمان المرأة إذا اعتلت اعتزلت عن زوجها ، فخرجت واعتزلت في غار ووضعت بإبراهيم عليه السلام وهيأته وقمطته ورجعت إلى منزلها وسدت باب الغار بالحجارة ، فأجرى الله لابراهيم عليه السلام لبنا من إبهامه وكانت تأتيه امه ووكل نمرود بكل امرأة حامل ، فكان يذبح كل ولد ذكر ، فهربت ام إبراهيم بإبراهيم من الذبح ، وكان يشب إبراهيم عليه السلام في الغار يوما كما يشب غيره في الشهر حتى أتى له في الغار ثلاث عشرة سنة ، فلما كان بعد ذلك زارته امه فلما أرادت أن تفارقه تشبث بها فقال : يا أمي أخرجيني ، فقالت له : يابني إن الملك إن علم أنك ولدت في هذا الزمان قتلك ، فلما خرجت امه خرج من الغار وقد غابت الشمس نظر إلى الزهرة في السماء فقال : " هذا ربي " فلما غابت الزهرة فقال : لو كان هذا ربي ماتحرك ولا برح ، ثم قال : لا أحب الآفلين " والآفل : الغائب .
فلما نظر إلى المشرق رأى وقد طلع القمر قال : " هذا ربي هذا أكبر وأحسن فلما تحرك وزال قال : " لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين " فلما أصبح وطلعت الشمس ورأى ضوءها وقد أضاءت الشمس الدنيا لطلوعها قال : " هذا ربي هذا أكبر " وأحسن فلما تحركت وزالت كشط الله عن السماوات حتى رأى العرش ومن عليه وأراه الله ملكوت السماوات والارض ، فعند ذلك قال : " يا قوم إني برئ مما تشركون .
إني وجهت وجهي للذى فطر السموات والارض حنيفا وما أنا من المشركين " فجاء إلى امه وأدخلته دارها وجعلته بين أولادها .
وسئل أبوعبدالله عليه السلام عن قول إبراهيم : " هذا ربي " لغير الله هل أشرك في قوله : " هذا ربي " ؟ فقال : من قال هذا اليوم فهو مشرك ، ولم يكن من إبراهيم شرك ، وإنما كان في طلب ربه ، وهو من غير شرك ، فلما أدخلت أم إبراهيم إبراهيم دارها نظر إليه آزر فقال : من هذا الذي قد بقي في سلطان الملك والملك يقتل أولاد الناس ؟ قالت : هذا ابنك ولدته وقت كذا وكذا حين اعتزلت ; فقال : ويحك إن علم الملك هذا زالت منزلتنا عنده ، وكان أزر صاحب أمر نمرود ووزيره ، وكان يتخذ الاصنام له وللناس ويدفعها إلى ولده فيبيعونها وكان على دار الاصنام ، فقالت أم إبراهيم لآزر : لا عليك إن لم يشعر الملك به بقي لنا ولدنا وإن شعر به كفيتك الاحتجاج عنه ، وكان آزر كلما نظر إلى إبراهيم أحبه حبا شديدا وكان يدفع إليه الاصنام ليبيعها كما يبيع إخوته ، فكان يعلق في أعناقها الخيوط ويجرها على الارض ويقول : من يشتري ما لا يضره ولا ينفعه ؟ ! ويغرقها في الماء والحماة ويقول لها : اشربي وتكلمي ، فذكرا إخوته ذلك لابيه فنهاه فلم ينته فحبسه في منزله ولم يدعه يخرج .
" وحاجه قومه فقال " إبراهيم " أتحاجونى في الله وقد هدان أي بين لي " ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شئ علما أفلا تتذكرون " ثم قال لهم : " وكيف أخاف ماأشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله مالم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالامن إن كنتم تعلمون " أي أنا أحق بالامن حيث أعبدالله أو أنتم الذين تعبدون الاصنام . (1)
وقال الطبرسي : قيل : إنما قال ذلك في سر من قومه ، ولم يسمع ذلك إلا رجل منهم فأفشاه ، وقالوا : كان لهم في كل سنة مجمع وعيد إذا رجعوا منه دخلوا على الاصنام فسجدوا لها ، فقالوا لابراهيم : ألا تخرج معنا ؟ فخرج ، فلما كان ببعض الطريق قال : اشتكى رجلي وانصرف " فجعلهم جذاذا " أي جعل أصنامهم قطعا قطعا " إلا كبيرا لهم " في الخلقة أو في التعظيم تركه على حاله ، قالوا : جعل يكسرهن بفأس في يده حتى لم يبق إلا الضم الكبير علق الفأس في عنقه وخرج " لعلهم إليه يرجعون " أي إلى إبراهيم فينبههم على جهلهم ، أو إلى الكبير فيسألونه وهو لاينطق فيعلمون جهل من اتخذه إلها ، فلما رجع قومه من عيدهم فوجدوا أصنامهم مكسرة " قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين " من موصولة ، أي الذي فعل هذا بآلهتنا فإنه ظالم لنفسه لانه يقتل إذا علم به ; وقيل : إنهم قالوا : من فعل هذا استفهاما ، وأنكروا عليه بقولهم : إنه لمن الظالمين " قالوا سمعنا فتى " أي قال الرجل الذي سمع من إبراهيم قوله : " لاكيدن أصنامكم " للقوم ما سمعه منه فقالوا : " سمعنا فتى يذكرهم " بسوء ; وقيل : إنهم قالوا : سمعنا فتى يعيب آلهتنا ويقول : إنها لا تضر ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع ، فهو الذي كسرها " على أعين الناس " أي بحيث يراه الناس ويكون بمشهد منهم " لعلهم يشهدون " عليه بما قاله فيكون ذلك حجة عليه بما فعل ، كرهوا أن يأخذوه بغير بينة أو لعلهم يحضرون عقابه " فرجعوا إلى أنفسهم " أى فرجع بعضهم إلى بعض ، وقال بعضهم لبعض " أنتم الظالمون " حيث تعبدون ما لايقدر الدفع عن نفسه ; وقيل : معناه : فرجعوا إلى عقولهم وتدبروا في ذلك إذ علموا صدق إبراهيم عليه السلام فيما قاله وحاروا عن جوابه فأنطقهم الله تعالى بالحق " فقالوا إنكم أنتم الظالمون " لهذا الرجل في سؤاله ، وهذه آلهتكم حاضرة فاسألوها " ثم نكسوا على رءوسهم " إذ تحيروا وعلموا أنها لا تنطق .
وقال البيضاوي : أى انقلبوا إلى المجادلة بعد ما استقاموا بالمراجعة ، شبه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشئ مستعليا على أعلاه .
قال الطبرسي : " فقالوا لقد علمت " يا إبراهيم " ما هؤلاء ينطقون " فكيف نسألهم ؟ فأجابهم إبراهيم عليه السلام بعد اعترافهم بالحجة " أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا " إن عبدتموه " ولا يضركم " إن تركتموه لانها لو قدرت لدفعت عن أنفسها " أف لكم " تضجر منه على إصرارهم بالباطل البين " قالوا حرقوه " أي لما سمعوا منه هذا القول قال بعضهم لبعض : " حرقوه " بالنار " وانصروا آلهتكم " أى وادفعوا عنها وعظموها " إن كنتم فاعلين " أي إن كنتم ناصريها ، قيل : إن الذي أثار بتحريق إبراهيم بالنار رجل من أكراد فارس فخسف الله به الارض فهو يتخلخل فيها إلى يوم القيامة ، وقال وهب : إنما قاله نمرود ، وفي الكلام حذف ، قال السدي : فجمعوا الحطب حتى أن الرجل ليمرض فوصي بكذا وكذا من ماله فيشترى به حطب ، وحتى أن المرأة لتغزل فتشتري به حطبا ، حتى بلغوا من ذلك ما أرادوا ، فلما أرادوا أن يلقوا إبراهيم في النار لم يدروا كيف يلقونه فجاء إبليس فدلهم على المنجنيق ، وهو أول منجنيق صنعت فوضعوه فيها ثم رموه " قلنا يا نار " أي لما جمعوا الحطب والقوه في النار قلنا للنار : " كوني بردا وسلاما على إبراهيم " وهذا مثل فإن النار جماد لا يصح خطابه ، والمراد : إنا جعلنا النار بردا عليه وسلامة لا يصيبه من أذاها شئ ; وقيل : يجوز أن يتكلم الله سبحانه بذلك ويكون ذلك صلاحا للملائكة ولطفالهم .
وقال الرازي : اختلفوا في أن النار كيف بردت على ثلاثة أوجه : أحدها أن الله تعالى أزال عنها ما فيها من الحر والاحراق وأبقى ما فيها من الاضاءة والاشراق .
وثانيها : أنه سبحانه خلق في جسم إبراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار إليه كما يفعل بخزنة جهنم في الآخرة ، كما أنه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة ، وبدن السمندر بحيث لا يضره المكث في النار .
وثالثها : أنه خلق بينه وبين النار حائلا يمنع من وصول النار إليه ; قال : المحققون : والاول أولى لان ظاهر قوله : " يا نار كوني بردا " أن نفس النار صارت باردة .(1)
كان على عهد إبراهيم عليه السلام رجل يقال : له ما ريا بن أوس قد أتت عليه ستمائة سنة وستون سنة ، وكان يكون في عيضة له بينه وبين الناس خليج من ماء غمر ، وكان يخرج إلى الناس في كل ثلاث سنين فيقيم في الصحراء في محراب له يصلي فيه ، فخرج ذات يوم فيما كان يخرج فإذا هو بغنم كان عليها الدهن فأعجب بها وفيها شاب كان وجهه شقة قمر ، فقال : يا فتى لمن هذا الغنم ؟ قال : لابراهيم خليل الرحمن ، قال : فمن أنت ؟ قال أنا ابنه إسحاق ; فقال : ما ريا في نفسه : اللهم أرني عبدك وخليلك حتى أراه قبل الموت ، ثم رجع إلى مكانه ، ورفع إسحاق ابنه خبره إلى أبيه فأخبره بخبره ، فكان إبراهيم يتعاهد ذلك المكان الذي هو فيه ويصلي فيه ، فسأله إبراهيم عن اسمه وما أتى عليه من السنين فخبره ، فقال : أين تسكن ؟ فقال : في غيضة ، فقال إبراهيم : إني أحب أن آتي موضعك فأنظر إليه وكيف عيشك فيها ، قال : إني أيبس من الثمار الرطب ما يكفيني إلى قابل ، لا تقدر أن تصل إلى ذلك الموضع فإنه خليج وماء غمر ، فقال له إبراهيم : فمالك فيه معبر ؟ قال : لا ، قال : فكيف تعبر ؟ قال : أمشي على الماء ، قال إبراهيم : لعل الذي سخر لك الماء يسخره لي ، قال : فانطلق وبدأ ماريا فوضع رجله في الماء وقال : بسم الله ، قال إبراهيم : بسم الله ، فالتفت ماريا وإذا إبراهيم يمشي كما يمشي هو ، فتعجب من ذلك فدخل الغيضة فأقام معه إبراهيم ثلاثة أيام لا يعلمه من هو ، ثم قال له : ياماريا ما أحسن موضعك ! هل
لك أن تدعو الله أن يجمع بيننا في هذا الموضع ؟ فقال : ما كنت لافعل ، قال : ولم ؟ قال : لاني دعوته بدعوة منذ ثلاث سنين لم يجبني فيها ، قال : وما الذي دعوته ؟ فقص عليه خبر الغنم وإسحاق ، فقال إبراهيم : فإن الله قد استجاب منك ، أنا إبراهيم ، فقام وعانقه فكانت أول معانقة .(1)
فلما نظر إلى المشرق رأى وقد طلع القمر قال : " هذا ربي هذا أكبر وأحسن فلما تحرك وزال قال : " لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين " فلما أصبح وطلعت الشمس ورأى ضوءها وقد أضاءت الشمس الدنيا لطلوعها قال : " هذا ربي هذا أكبر " وأحسن فلما تحركت وزالت كشط الله عن السماوات حتى رأى العرش ومن عليه وأراه الله ملكوت السماوات والارض ، فعند ذلك قال : " يا قوم إني برئ مما تشركون .
إني وجهت وجهي للذى فطر السموات والارض حنيفا وما أنا من المشركين " فجاء إلى امه وأدخلته دارها وجعلته بين أولادها .
وسئل أبوعبدالله عليه السلام عن قول إبراهيم : " هذا ربي " لغير الله هل أشرك في قوله : " هذا ربي " ؟ فقال : من قال هذا اليوم فهو مشرك ، ولم يكن من إبراهيم شرك ، وإنما كان في طلب ربه ، وهو من غير شرك ، فلما أدخلت أم إبراهيم إبراهيم دارها نظر إليه آزر فقال : من هذا الذي قد بقي في سلطان الملك والملك يقتل أولاد الناس ؟ قالت : هذا ابنك ولدته وقت كذا وكذا حين اعتزلت ; فقال : ويحك إن علم الملك هذا زالت منزلتنا عنده ، وكان أزر صاحب أمر نمرود ووزيره ، وكان يتخذ الاصنام له وللناس ويدفعها إلى ولده فيبيعونها وكان على دار الاصنام ، فقالت أم إبراهيم لآزر : لا عليك إن لم يشعر الملك به بقي لنا ولدنا وإن شعر به كفيتك الاحتجاج عنه ، وكان آزر كلما نظر إلى إبراهيم أحبه حبا شديدا وكان يدفع إليه الاصنام ليبيعها كما يبيع إخوته ، فكان يعلق في أعناقها الخيوط ويجرها على الارض ويقول : من يشتري ما لا يضره ولا ينفعه ؟ ! ويغرقها في الماء والحماة ويقول لها : اشربي وتكلمي ، فذكرا إخوته ذلك لابيه فنهاه فلم ينته فحبسه في منزله ولم يدعه يخرج .
" وحاجه قومه فقال " إبراهيم " أتحاجونى في الله وقد هدان أي بين لي " ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شئ علما أفلا تتذكرون " ثم قال لهم : " وكيف أخاف ماأشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله مالم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالامن إن كنتم تعلمون " أي أنا أحق بالامن حيث أعبدالله أو أنتم الذين تعبدون الاصنام . (1)
وقال الطبرسي : قيل : إنما قال ذلك في سر من قومه ، ولم يسمع ذلك إلا رجل منهم فأفشاه ، وقالوا : كان لهم في كل سنة مجمع وعيد إذا رجعوا منه دخلوا على الاصنام فسجدوا لها ، فقالوا لابراهيم : ألا تخرج معنا ؟ فخرج ، فلما كان ببعض الطريق قال : اشتكى رجلي وانصرف " فجعلهم جذاذا " أي جعل أصنامهم قطعا قطعا " إلا كبيرا لهم " في الخلقة أو في التعظيم تركه على حاله ، قالوا : جعل يكسرهن بفأس في يده حتى لم يبق إلا الضم الكبير علق الفأس في عنقه وخرج " لعلهم إليه يرجعون " أي إلى إبراهيم فينبههم على جهلهم ، أو إلى الكبير فيسألونه وهو لاينطق فيعلمون جهل من اتخذه إلها ، فلما رجع قومه من عيدهم فوجدوا أصنامهم مكسرة " قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين " من موصولة ، أي الذي فعل هذا بآلهتنا فإنه ظالم لنفسه لانه يقتل إذا علم به ; وقيل : إنهم قالوا : من فعل هذا استفهاما ، وأنكروا عليه بقولهم : إنه لمن الظالمين " قالوا سمعنا فتى " أي قال الرجل الذي سمع من إبراهيم قوله : " لاكيدن أصنامكم " للقوم ما سمعه منه فقالوا : " سمعنا فتى يذكرهم " بسوء ; وقيل : إنهم قالوا : سمعنا فتى يعيب آلهتنا ويقول : إنها لا تضر ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع ، فهو الذي كسرها " على أعين الناس " أي بحيث يراه الناس ويكون بمشهد منهم " لعلهم يشهدون " عليه بما قاله فيكون ذلك حجة عليه بما فعل ، كرهوا أن يأخذوه بغير بينة أو لعلهم يحضرون عقابه " فرجعوا إلى أنفسهم " أى فرجع بعضهم إلى بعض ، وقال بعضهم لبعض " أنتم الظالمون " حيث تعبدون ما لايقدر الدفع عن نفسه ; وقيل : معناه : فرجعوا إلى عقولهم وتدبروا في ذلك إذ علموا صدق إبراهيم عليه السلام فيما قاله وحاروا عن جوابه فأنطقهم الله تعالى بالحق " فقالوا إنكم أنتم الظالمون " لهذا الرجل في سؤاله ، وهذه آلهتكم حاضرة فاسألوها " ثم نكسوا على رءوسهم " إذ تحيروا وعلموا أنها لا تنطق .
وقال البيضاوي : أى انقلبوا إلى المجادلة بعد ما استقاموا بالمراجعة ، شبه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشئ مستعليا على أعلاه .
قال الطبرسي : " فقالوا لقد علمت " يا إبراهيم " ما هؤلاء ينطقون " فكيف نسألهم ؟ فأجابهم إبراهيم عليه السلام بعد اعترافهم بالحجة " أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا " إن عبدتموه " ولا يضركم " إن تركتموه لانها لو قدرت لدفعت عن أنفسها " أف لكم " تضجر منه على إصرارهم بالباطل البين " قالوا حرقوه " أي لما سمعوا منه هذا القول قال بعضهم لبعض : " حرقوه " بالنار " وانصروا آلهتكم " أى وادفعوا عنها وعظموها " إن كنتم فاعلين " أي إن كنتم ناصريها ، قيل : إن الذي أثار بتحريق إبراهيم بالنار رجل من أكراد فارس فخسف الله به الارض فهو يتخلخل فيها إلى يوم القيامة ، وقال وهب : إنما قاله نمرود ، وفي الكلام حذف ، قال السدي : فجمعوا الحطب حتى أن الرجل ليمرض فوصي بكذا وكذا من ماله فيشترى به حطب ، وحتى أن المرأة لتغزل فتشتري به حطبا ، حتى بلغوا من ذلك ما أرادوا ، فلما أرادوا أن يلقوا إبراهيم في النار لم يدروا كيف يلقونه فجاء إبليس فدلهم على المنجنيق ، وهو أول منجنيق صنعت فوضعوه فيها ثم رموه " قلنا يا نار " أي لما جمعوا الحطب والقوه في النار قلنا للنار : " كوني بردا وسلاما على إبراهيم " وهذا مثل فإن النار جماد لا يصح خطابه ، والمراد : إنا جعلنا النار بردا عليه وسلامة لا يصيبه من أذاها شئ ; وقيل : يجوز أن يتكلم الله سبحانه بذلك ويكون ذلك صلاحا للملائكة ولطفالهم .
وقال الرازي : اختلفوا في أن النار كيف بردت على ثلاثة أوجه : أحدها أن الله تعالى أزال عنها ما فيها من الحر والاحراق وأبقى ما فيها من الاضاءة والاشراق .
وثانيها : أنه سبحانه خلق في جسم إبراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار إليه كما يفعل بخزنة جهنم في الآخرة ، كما أنه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة ، وبدن السمندر بحيث لا يضره المكث في النار .
وثالثها : أنه خلق بينه وبين النار حائلا يمنع من وصول النار إليه ; قال : المحققون : والاول أولى لان ظاهر قوله : " يا نار كوني بردا " أن نفس النار صارت باردة .(1)
كان على عهد إبراهيم عليه السلام رجل يقال : له ما ريا بن أوس قد أتت عليه ستمائة سنة وستون سنة ، وكان يكون في عيضة له بينه وبين الناس خليج من ماء غمر ، وكان يخرج إلى الناس في كل ثلاث سنين فيقيم في الصحراء في محراب له يصلي فيه ، فخرج ذات يوم فيما كان يخرج فإذا هو بغنم كان عليها الدهن فأعجب بها وفيها شاب كان وجهه شقة قمر ، فقال : يا فتى لمن هذا الغنم ؟ قال : لابراهيم خليل الرحمن ، قال : فمن أنت ؟ قال أنا ابنه إسحاق ; فقال : ما ريا في نفسه : اللهم أرني عبدك وخليلك حتى أراه قبل الموت ، ثم رجع إلى مكانه ، ورفع إسحاق ابنه خبره إلى أبيه فأخبره بخبره ، فكان إبراهيم يتعاهد ذلك المكان الذي هو فيه ويصلي فيه ، فسأله إبراهيم عن اسمه وما أتى عليه من السنين فخبره ، فقال : أين تسكن ؟ فقال : في غيضة ، فقال إبراهيم : إني أحب أن آتي موضعك فأنظر إليه وكيف عيشك فيها ، قال : إني أيبس من الثمار الرطب ما يكفيني إلى قابل ، لا تقدر أن تصل إلى ذلك الموضع فإنه خليج وماء غمر ، فقال له إبراهيم : فمالك فيه معبر ؟ قال : لا ، قال : فكيف تعبر ؟ قال : أمشي على الماء ، قال إبراهيم : لعل الذي سخر لك الماء يسخره لي ، قال : فانطلق وبدأ ماريا فوضع رجله في الماء وقال : بسم الله ، قال إبراهيم : بسم الله ، فالتفت ماريا وإذا إبراهيم يمشي كما يمشي هو ، فتعجب من ذلك فدخل الغيضة فأقام معه إبراهيم ثلاثة أيام لا يعلمه من هو ، ثم قال له : ياماريا ما أحسن موضعك ! هل
لك أن تدعو الله أن يجمع بيننا في هذا الموضع ؟ فقال : ما كنت لافعل ، قال : ولم ؟ قال : لاني دعوته بدعوة منذ ثلاث سنين لم يجبني فيها ، قال : وما الذي دعوته ؟ فقص عليه خبر الغنم وإسحاق ، فقال إبراهيم : فإن الله قد استجاب منك ، أنا إبراهيم ، فقام وعانقه فكانت أول معانقة .(1)
magdy- Admin
- عدد المساهمات : 351
نقاط : 1029
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 17/09/2009
العمر : 51
بطاقة الشخصية
m: 2
مواضيع مماثلة
» قصة ابراهيم عليه السلام ج 2
» قصة لوط عليه السلام
» قصة هود عليه السلام
» قصة ايوب عليه السلام
» قصة اسماعيل عليه السلام
» قصة لوط عليه السلام
» قصة هود عليه السلام
» قصة ايوب عليه السلام
» قصة اسماعيل عليه السلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى